الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
.تفسير الآية رقم (54): {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}{يُغْشِى اليل النهار يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} وقرئ: {يغشى} بالتشديد، أي يلحق الليل النهار، أو النهار بالليل يحتملهما جميعاً. والدليل على الثاني قراءة حميد بن قيس: يغشى الليل النهار، بفتح الياء ونصب الليل ورفع النهار، أي يدرك النهار الليل ويطلبه حثيثاً، حسن الملاءمة لقراءة حميد {بِأَمْرِهِ} بمشيئته وتصريفه، وهو متعلق بمسخرات، أي خلقهن جاريات بمقتضى حكمته وتدبيره، وكما يريد أن يصرفها سمي ذلك أمراً على التشبيه، كأنهن مأمورات بذلك. وقرئ: {والشمس والقمر والنجوم مسخرات}، بالرفع. لما ذكر أنه خلقهنّ مسخرات بأمره قال: {أَلاَ لَهُ الخلق والامر} أي هو الذي خلق الأشياء كلها، وهو الذي صرفها على حسب إرادته..تفسير الآيات (55- 58): {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}{تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} نصب على الحال، أي ذوي تضرع وخفية. وكذلك خوفاً وطمعاً. والتضرع تفعُّل من الضراعة وهو الذل، أي تذللاً وتملقاً. وقرئ: {وخِفْيَة} وعن الحسن رضي الله عنه: إنّ الله يعلم القلب التقي والدعاء الخفي، إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير ولا يشعر الناس به، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة وعنده الزوار وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السرّ فيكون علانية أبداً. ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلاّ همساً بينهم وبين ربهم. وذلك أنّ الله تعالى يقول: {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وقد أثنى على زكريا فقال: {إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً} [مريم: 3] وبين دعوة السرّ ودعوة العلانية سبعون ضعفاً. {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين} أي المجاوزين ما أمروا به في كل شيء من الدعاء وغيره.وعن ابن جريج؛ هو رفع الصوت بالدعاء. وعنه: الصياح في الدعاء مكروه وبدعة. وقيل: هو الإسهاب في الدعاء.وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء، وحسب المرء أن يقول: اللَّهمّ إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل» ثم قرأ قوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين}. {إِنَّ رحمتالله قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} كقوله: {وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَامَنَ وَعَمِلَ صالحا} [طه: 82]. وإنما ذكر {قَرِيبٌ} على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم، أو لأنه صفة موصوف محذوف، أي شيء قريب. أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول كما شبه ذاك به، فقيل قتلاء وأسراء، أو على أنه بزنة المصدر، الذي هو النقيض والضغيب. أو لأنّ تأنيث الرحمة غير حقيقي، قرئ: {نشراً} وهو مصدر نشر. وانتصابه إمّا لأن أرسل ونشر متقاربان، فكأنه قيل: نشرها نشراً: وإمّا على الحال بمعنى منتشرات. ونشراً جمع نشور. ونشراً تخفيف نشر، كرسل ورسل.وقرأ مسروق: {نشرًا}، بمعنى منشورات، فعل بمعنى مفعول، كنقض وحسب. ومنه قولهم (ضم نشره) وبشراً جمع بشير. وبشراً بتخفيفه. وبشراً- بفتح الباء- مصدر من بشره بمعنى بشره، أي باشرات، وبشرى {بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ} أمام رحمته، وهي الغيث الذي هو من أتمّ النعم وأجلّها وأحسنها أثراً {أَقَلَّتْ} حملت ورفعت، واشتقاق الإقلال من القلة، لأن الرافع المطيق يرى الذي يرفعه قليلاً {سَحَابًا ثِقَالاً} سحائب ثقالاً بالماء جمع سحابة {سقناه} الضمير للسحاب على اللفظ، ولو حمل على المعنى كالثقال لأنث، كما لو حمل الوصف على اللفظ لقيل ثقيلاً {لِبَلَدٍ مَّيّتٍ} لأجل بلد ليس فيه حياً ولسقيه.وقرئ: {مَيْتٍ} {فَأَنزَلْنَا بِهِ} بالبلد أو بالسحاب أو بالسوق. وكذلك {فأخرجنا به... كذلك} مثل ذلك الإخراج وهو إخراج الثمرات {نُخْرِجُ الموتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} فيؤدّيكم التذكر إلى أنه لا فرق بين الإخراجين. إذ كل واحد منهما إعادة للشيء بعد إنشائه {والبلد الطيب} الأرض العذاة الكريمة التربة {والذى خَبُثَ} الأرض السبخة التي لا تنبت ما ينتفع به {بِإِذْنِ رَبّهِ} بتيسيره وهو في موضع الحال، كأنه قيل: يخرج نباته حسناً وافياً لأنه واقع في مقابلة {نَكِدًا} والنكد الذي لا خير فيه. وقرئ: {يخرج نباته} أن يخرجه البلد وينبته وقوله: {والذى خَبُثَ} صفة للبلد ومعناه: والبلد الخبيث لا يخرج نباته إلا نكداً، فحذف المضاف الذي هو النبات، وأقيم المضاف إليه الذي هو الراجع إلى البلد مقامه؛ إلاّ أنه كان مجروراً بارزاً، فانقلب مرفوعاً مستكناً لوقوعه موقع الفاعل، أو يقدّر: ونبات الذي خبث. وقرئ: {نكداً} بفتح الكاف على المصدر. أي ذا نكد. ونكداً، بإسكانها للتخفيف، كقوله: نزه عن الريب، بمعنى نزه. وهذا مثل لمن ينجع فيه الوعظ والتنبيه من المكلفين، ولمن لا يؤثر شيء من ذلك.وعن مجاهد: آدم وذرّيته منهم خبيث وطيب.وعن قتادة: المؤمن سمع كتاب الله فوعاه بعقله وانتفع به، كالأرض الطيبة أصابها الغيث فأنبتت. والكافر بخلاف ذلك. وهذا التمثيل واقع على أثر ذكر المطر، وإنزاله بالبلد الميت، وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد {كذلك} مثل ذلك التصريف {نُصَرّفُ الأيات} نردِّدها ونكرّرها {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} نعمة الله وهم المؤمنون، ليفكروا فيها ويعتبروا بها. وقرئ: {يصرف} بالياء أي يصرفها الله..تفسير الآية رقم (59): {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)}{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا} جواب قسم محذوف.فإن قلت: ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام، إلاّ مع (قد) وقلّ عنهم، نحو قوله:قلت: إنما كان ذلك لأن الجملة القسمية لا تساق إلاّ تأكيداً للجملة المقسم عليها، التي هي جوابها، فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى (قد) عند استماع المخاطب كلمة القسم. قيل: أرسل نوحاً عليه السلام وهو ابن خمسين سنة، وكان نجاراً وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وأخنوخ اسم إدريس النبي عليه السلام. وقرئ: {غيره} بالحركات الثلاث، فالرفع على المحل، كأنه قيل: ما لكم إله غيره. والجرّ على اللفظ والنصب على الاستثناء بمعنى: ما لكم من إله إلاّ إياه، كقولك: ما في الدار من أحد إلاّ زيد أو غير زيد.فإن قلت: فما موقع الجملتين بعد قوله: {اعبدوا الله}؟ قلت: الأولى بيان لوجه اختصاصه بالعبادة. والثانية: بيان للداعي إلى عبادته لأنه هو المحذور عقابه دون ما كانوا يعبدونه من دون الله واليوم العظيم يوم القيامة أو يوم نزول العذاب عليهم وهو الطوفان. .تفسير الآيات (60- 62): {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)}{الملأ} الأشراف والسادة: وقيل: الرجال ليس معهم النساء {فِى ضلال} في ذهاب عن طريق الصواب والحق. ومعنى الرؤية: رؤية القلب.فإن قلت: لم قال: {لَيْسَ بِى ضلالة} ولم يقل ضلال كما قالوا؟ قلت: الضلالة أخصّ من الضلال، فكانت أبلغ في نفي الضلال عن نفسه، كأنه قال: ليس بي شيء من الضلال، كما لو قيل لك: ألك تمر، فقلت: ما لي تمرة فإن قلت: كيف وقع قوله: {وَلَكِنّي رَسُولٌ} استدراكاً للانتفاء عن الضلالة؟ قلت: كونه رسولاً من الله مبلغاً رسالاته ناصحاً، في معنى كونه على الصراط المستقيم، فصحّ لذلك أن يكون استدراكاً للانتفاء عن الضلالة. وقرئ: {أبلغكم} بالتخفيف.فإن قلت: كيف موقع قوله: {أُبَلّغُكُمْ}؟ قلت: فيه وجهان. أحدهما: أن يكون كلاماً مستأنفاً بياناً لكونه رسول رب العالمين.والثاني: أن يكون صفة لرسول.فإن قلت: كيف جاز أن يكون صفة والرسول لفظه لفظ الغائب؟ قلت: جاز ذلك لأن الرسول وقع خبراً عن ضمير المخاطب وكان معناه، كما قال:{رسالات رَبّى} ما أوحي إليّ في الأوقات المتطاولة، أو في المعاني المختلفة من الأوامر والنواهي والمواعظ والزواجر والبشائر والنذائر. ويجوز أن يريد رسالاته إليه وإلى الأنبياء قبله من صحف جدّه إدريس، وهي ثلاثون صحيفة، ومن صحف شيث وهي خمسون صحيفة {وَأَنصَحُ لَكُمْ} يقال نصحته ونصحت له. وفي زيادة اللام مبالغة ودلالة على إمحاض النصيحة وأنها وقعت خالصة للمنصوح له مقصوداً بها جانبه لا غير، فرب نصيحة ينتفع بها الناصح فيقصد النفعين جميعاً ولا نصحية أمحض من نصيحة الله تعالى ورسله عليهم السلام {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أي من صفات الله وأحواله، يعني قدرته الباهرة وشدّة بطشه على أعدائه، وأن بأسه لا يردّ عن القوم المجرمين. وقيل: لم يسمعوا بقوم حلّ بهم العذاب قبلهم فكانوا آمنين لا يعلمون ما علمه نوح بوحي الله إليه، أو أراد: وأعلم من جهة الله أشياء لا علم لكم بها قد أوحى إليّ بها. .تفسير الآية رقم (63): {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)}{أَوَ عَجِبْتُمْ} الهمزة للإنكار، والواو للعطف، والمعطوف عليه محذوف، كأنه قيل: أكذبتم وعجبتم {أَن جَاءكُمْ} من أن جاءكم {ذِكْرٌ} موعظة {مّن رَّبّكُمْ على رَجُلٍ مّنْكُمْ} على لسان رجل منكم، كقوله: {مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ} [آل عمران: 194] وذلك أنهم يتعجبون من نبوّة نوح عليه السلام ويقولون: ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين، يعنون إرسال البشر، ولو شاء ربنا لأنزل ملائكة {لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ} ليحذركم عاقبة الكفر وليوجد منكم التقوى وهي الخشية بسبب الإنذار {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ولترحموا بالتقوى إن وجدت منكم..تفسير الآية رقم (64): {فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)}{والذين مَعَهُ} قيل: كانوا أربعين رجلاً وأربعين امرأة. وقيل: تسعة، بنوه سام وحام ويافث، وستة ممن آمن به.فإن قلت: {فِى الفلك} بم يتعلق؟ قلت: هو متعلق بمعه، كأنه قيل: والذين استقروا معه في الفلك أو صحبوه في الفلك. ويجوز أن يتعلق بفعل الإنجاء، أي أنجيناهم في السفينة من الطوفان {عَمِينَ} عمى القلوب غير مستبصرين. وقرئ: {عامين}. والفرق بين العمى والعاميّ: أن العمى يدلّ على عمى ثابت، والعاميّ على حادث. ونحوه قوله: {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} [هود: 12]..تفسير الآيات (65- 69): {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)}{أخاهم} واحداً منهم من قولك: يا أخا العرب للواحد منهم. وإنما جعل واحداً منهم، لأنهم أفهم عن رجل منهم وأعرف بحاله في صدقه وأمانته، وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وأخاهم: عطف على نوحاً. و{هُودًا} عطف بيان له.فإن قلت: لم حذف العاطف من قوله: {قَالَ ياقوم} ولم يقل {فقال} كما في قصة نوح؟ قلت: هو على تقدير سؤال سائل قال: فما قال لهم هود؟ فقيل: قال يا قوم اعبدوا الله، وكذلك {قَالَ الملا}.فإن قلت: لم وصف الملأ بـ: {الذين كَفَرُواْ} دون الملأ من قوم نوح؟ قلت: كان في أشراف قوم هود من آمن به، منهم مرثد بن سعد الذي أسلم وكان يكتم إسلامه فأريدت التفرقة بالوصف ولم يكن في أشراف قوم نوح مؤمن. ونحوه قوله تعالى: {وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ الذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَاء الآخرة} [المؤمنون: 33] ويجوز أن يكون وصفاً وارداً للذمّ لا غير {فِي سَفَاهَةٍ} في خفة حلم وسخافة عقل، حيث تهجر دين قومك إلى دين آخر، وجعلت السفاهة ظرفاً على طريق المجاز: أرادوا أنه متمكن فيها غير منفك عنها. وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام- من نسبهم إلى الضلال والسفاهة، بما أجابوهم به من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء وترك المقابلة بما قالوا لهم مع علمهم بأنّ خصومهم أضلّ الناس وأسفههم- أدب حسن وخلق عظيم، وحكاية الله عزّ وجلّ ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم {نَاصِحٌ أَمِينٌ} أي عرفت فيما بينكم بالنصح والأمانة فما حقي أن أُتهم. أو أنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه {خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} أي خلفتموهم في الأرض، أو جعلكم ملوكاً في الأرض قد استخلفكم فيها بعدهم {فِى الخلق بَسْطَةً} فيما خلق من أجرامكم ذهاباً في الطول والبدانة. قيل: كان أقصرهم ستين ذراعاً، وأطولهم مائة ذراع {فاذكروا ءالآء الله} في استخلافكم وبسطة أجرامكم وما سواهما من عطاياه. وواحد الآلاء (إلى) نحو إني وإناء، وضلع وأضلاع، وعنب وأعناب.فإن قلت: (إذ) في قوله: {إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء} ما وجه انتصابه؟ قلت: هو مفعول به وليس بظرف، أي اذكروا وقت استخلافكم.
|